اراء و مقالات

الأردن: تشريع حول الجرائم الإلكترونية «يتذاكى»… وتحذير أمريكي من نتائج القانون الجديد

عمان – «القدس العربي»: حتى اللحظة ورغم كثرة وتزايد ونمو وزحف الجدل والنقاش العاصف في الأردن، لا توجد وجهة نظر أو سيناريو مفترض منطقي يفسر مسار الأحداث بعدما وصلت إلى زوايا حرجة ودراماتيكية عندما يتعلق الأمر بعبور القانون الجديد المعدل للجرائم الإلكترونية وفقاً لأكثر سيناريوهات نهاية الأسبوع الحالي ترجيحاً.
القانون بصيغته المثيرة للجدل ومع بعض التعديلات الطفيفة، هو في طريقه للعبور من مجلس النواب الأردني ما لم تعق تصورات ملكية مختلفة طريقه مجدداً أو تحصل مفاجآت لها علاقة بـ “سمعة عملية تحديث المنظومة والإصلاح” دولياً بعد تصريح الخارجية الأمريكية ظهر الأربعاء في السياق.
واحدة من إشكاليات هذا القانون الأساسية أن بعض نصوصه يمكن أن تقرأ إيجابياً، بمعنى أنها تشكل في الماضي مطلباً للمؤسسات الرسمية وتشكل في بعض تفصيلاتها مطلباً شعبياً ونخبوياً لأنها تعالج مشكلات بارزة يعاني منها المجتمع أصلاً بسبب تفاعلات منصات التواصل الاجتماعي. لكن هذه المهمة التي كان يمكن تسويقها بالتشاور والاتفاق مع الخبراء تقلص حجمها وتأثيرها، لأن مسار القانون ذهب باتجاه تكميم الأفواه أو فرض قيود غير مسبوقة “تأزيمية” على حريات التعبير والنشر الإلكتروني، خصوصاً فيما ستسقط الذريعة والحجة التي ترددها سلطات الحكومة تحت عنوان التفريق ما بين العمل الصحافي المهني والتعبير المنفلت على الفضاء الإلكتروني.
تلك مساحة حساسة لا يمكن الاعتماد عليها في تمكين أذرع السلطات الرسمية من نصوص تشريعات تفرض قيوداً مبالغاً فيها أو متشددة للغاية. وصفقة تمرير القانون بدأت مع اجتماع مغلق وختامي وأخير نفذته اللجنة القانونية لمجلس النواب مساء الثلاثاء بصيغة تؤشر إلى أن كلاً من السلطتين التشريعية والتنفيذية ستمنح المعترضين في الشارع وخارطة الحزبية الأردنية تعديلاً أساسياً واحداً لطروحاتهم، هو ذلك المتعلق بتخفيض الغرامات المالية المقلقة بنسبة 50% على الأقل.
ذلك السيناريو يظهر قدراً من التذاكي عبر الرغبة في الالتفاف على القضايا والملفات الأساسية، فمشكلات القانون الجديد عملياً لا تقف عند حدود الغرامات المالية، وأبشع ما فيه -وفقاً لنشطاء الحريات والحقوقيين المعترضين- هو ليس فقط الغرامات المالية، لكن آلية تطبيق نصوصه والدمج بين العقوبات في الحبس والغرامة، إضافة إلى استخدام مصطلحات بعضها ركيك وبعضها حمال أوجه ومرن بطريقة تظهر خللاً كبيراً في النصوص والتشريعات، وفقاً للسياسي الإسلامي والناشط الحقوقي أيضاً الدكتور رامي العياصرة، الذي يرى بأنه في استخدام كلمات وعبارات ومصطلحات مطاطة ثمة مساحة لا يمكن الاستهانة بها من الارتياب مع غياب التعريفات الاصطلاحية والاشتباه بوجود أجندة سياسية خلف هذا التشريع.
يفترض أن الحكومة قررت بتذاكي العبور بالقانون، وساعدها على الأرجح مجلس النواب بإجراء بعض التعديلات الطفيفة لتلبية بعض مطالب الشارع المعترض. لكن هذا القانون سيستمر على الأرجح في إثارة الجدل. وما توقعه علناً الناشط السياسي والوزير السابق معن قطامين، هو أن فرض هذا القانون على حريات التعبير عند الأردنيين سيدفعهم إلى تحت الأرض.
وتلك عبارة رددها أكثر من معترض بارز على القانون الجديد، على أساس القناعة بأن الاسترسال في عملية إقرار هذا القانون تعني خروج مسار تحديث المنظومة السياسية، والعمل الحزبي عن سكته؛ لأن تكميم الأفواه سيشمل على الأرجح القوى الحزبية.
والقضية لها علاقة بتكميم أفواه المواطن الأردني بصرف النظر عن دوره في المجتمع، إلا أن العبارات حمالة الأوجه هي التي يمكن تصنيفها بأنها خشنة وقاسية وتسمح بالتعسف لاستخدام النصوص القانونية لاحقاً حتى لأغراض متابعة بعض أصحاب الرأي والصحافيين المهنيين المستقلين والنشطاء السياسيين، وتناولهم عملياً من زاوية منصات التواصل وتعبيراتهم الإلكترونية. وعليه، يمكن القول إن حالة التذاكي في التشريع إذا ما استرسلت بصمود السردية الحكومية والتمرير القانون بعد ساعات بالألغام الموجودة في بعض نصوصه قد تنتهي حقاً وفعلاً بخلط أوراق مسار التحديث السياسي بصيغة غير مفهومة بعد، لا من حيث خلفياتها ولا من حيث توقع تداعياتها ونتائجها أيضاً.
وقد كان الناطق باسم الخارجية الأمريكية أبرز من ضرب الأربعاء على هذا الوتر الحساس عندما حذر من نتائج القانون الجديد على ما سمّاه بمسارات الإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن.
حصل ذلك بعدما كانت رموز بارزة في العمل السياسي والوطني، من بينها الشيخ سالم الفلاحات والشيخ مراد العضايلة والدكتورة رولا الحروب وغيرهم أيضاً من بعض رموز العمل اليساري مع المهنيين، قد أطلقوا تحذيرهم الأول على شكل محاولة تذكير مركز القرار بأن مسار التعددية الحزبية والتحديث السياسي هو المرشح لدفع الثمن إذا ما عبر المعدل الجديد للجرائم الإلكترونية.
ومعنى الكلام هنا حساس أيضاً؛ لأن تبني وتقمص الخارجية الأمريكية لرواية المعارضة الداخلية الأردنية في هذه الجزئية أمر غير مألوف وغير معتاد ليس عند الحكومة فقط، ولكن عند المعارضة الأردنية نفسها، الأمر الذي قد ينتهي بحدوث شيء ما أو تحولات في المسار والنقاش، خصوصاً أن الناشط الحقوقي عاصم العمري كان أول من قرع الجرس عبر “القدس العربي” عندما سأل عن كيفية اعتماد قانون بهذه البشاعة، في الوقت الذي تلتزم به الدولة الأردنية بمراجعات جوهرية مع النظام الدولي برمته، عنوانها التعددية وحقوق الإنسان.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading