اراء و مقالات

فيصل الفايز تحدث و«القدس العربي» شاركت: «تجويد المنتج» تغريد مع السرب… هل تسمع السلطات الأردنية ما يقوله رئيس الأعيان؟

عمان – «القدس العربي»: جزء أساسي من جوهر فكرة تحديث المنظومة السياسية في الأردن وتفعيل حوارات ديمقراطية بين النخب والناس هو ذلك الذي يتضمن قبول الرأي والتعليق الآخر حتى في أحلك الظروف.
وبصرف النظر عن من يطلق التعليق حتى لو كان مسؤولاً سياسياً كبيراً في الدولة له وجهة نظر لا يعرضها للعموم إلا من باب تثبيت أركان الرؤية المرجعية الملكية التحديثية والحرص على أن تلتزم السلطات التنفيذية ومعها الوحدات الاجتماعية بأفضل مضمون ومنطوق ممكن للمشروع الجديد.
أي قراءة لتعليقات صدرت أو نقلت عن رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز لا تؤمن بمثل هذا المنطق ستكون منحرفة، وقد تكون مغرضة، خصوصاً أن الفايز سبق له أن تقدم بجرعات واسعة من دعم مسار التحديث وبسلسلة من الملاحظات الإيجابية التي ينبغي للسلطات الإجرائية أن تأخذها انطلاقاً من موقعه كرئيس لغرفة التشريع الثانية.
فوق ذلك، لا يمكن لوم سياسي له باع طويل ومتمرس في العمل العام مثل فيصل الفايز، على الإدلاء بتعليقات تمثل وجهة نظره وعلى أساس القناعة بأن الهدف “تجويد” المنتج الحزبي الجديد.
ومن هنا يمكن قراءة التعليقات التي أثارت جدلاً عندما نقلت أحياناً بصورة خارج سياقها لا بل بصورة محرفة أو منحرفة عن مضامينها، مما أثار تساؤلات في غير مكانها.
الشيخ الفايز تحدث في سهرة رمضانية فيها الكثير من السياسيين وأبناء المجتمع والعشرات من الإعلاميين والنشطاء الحزبيين. وفي تلك السهرة كانت “القدس العربي” في حالة تحاور مع الفايز وطروحاته في المناسبة نفسها. لذا سمعت كل التفاصيل، وبعض التعليقات التي نقلت عن رئيس مجلس الأعيان لا تنتمي إلى ما قاله وذكره الرجل عملياً.
وليست من الصنف الذي يقال في إطار نقدي إطلاقاً بقدر أن الهدف منها هو تجويد المنتج وتحسين الخطوات الإجرائية والحرص على الالتزام المهني والحرفي أكثر عندما يتعلق الأمر بدور المجتمع والنشطاء الحزبيين، وأيضاً دور المؤسسات الرسمية في الانسجام مع الرؤية الملكية، وهي رؤية ثاقبة وتقرأ المستقبل في تقدير الفايز، والمطلوب من الجميع دعمها والتأسيس لها.
ذلك لا يمنع من الملاحظة على الإجراء وليس على الرؤية وليس على العمل الحزبي، ويفترض أن لا يمنع من قراءة الوقائع كما هي، فقد قال الفايز إن المجتمع الأردني بطبيعته عشائري، وإن الأحزاب السياسية إذا كانت معنية بالانتقال إلى المستوى الاجتماعي فعليها أن تأخذ هذا الأمر بعنايتها بطبيعة الحال، متوقعاً أن إنضاج تجربة تحديث المنظومة السياسية والتعددية الحزبية في البلاد قد يتطلب أو يحتاج وقتاً أطول من المتوقع.
لذا، فالجزء الأساسي في الانسجام والامتثال للتوجيهات المرجعية والجزء المفصلي في العمل هو ذلك الذي يقر بالوقائع كما هي، لأن الظروف الاقتصادية لها الأولوية في البلاد، ولأن المتغير الدولي والإقليمي عنصران لا يمكن إسقاطهما من أي حساب وطني، ولإن إمكانات وظروف الأردن معروفة للجميع.
وعليه، فالتركيز على خطاب يضخم عملياً من أهمية ودور الأحزاب السياسية في عمق بنية اجتماعية عشائرية متشككة أو مترددة الطابع هي مسألة قد تحدث ضرراً، وهو تقدير يتفق سياسيون متعددون مع الفايز على أجزاء منه، خصوصاً في ظل الملاحظة القديمة التي ذكرها لـ”القدس العربي” خبير من وزن الدكتور محمد الحلايقة، عندما لاحظ أن تشاورات التحديث المبكرة أسقطت من حساباتها روافع الحواضن الاجتماعية. وبعض الراشدين والعقلاء تعاملوا مع تعليقات الفايز في سياقها وليس في سياق الاصطياد لكلمة هنا أو عبارة هناك مع إخراجها عن السياق.
يشارك الفايزَ عدد كبير من السياسيين المخضرمين الذين يلاحظون على مشروع المنظومة أنه قفز بسرعة إلى حد ما عن اعتبارات الحاضنة الاجتماعية ومخاطبة انحيازات الوحدات الاجتماعية، وإن كانت المسيرة انطلقت، على حد تعبير رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات موسى المعايطة، وينبغي للجميع بعد تصديق ما يجري الانخراط.
لكن الرجل – الفايز- يتبنى رأياً يقول ذلك بلغة دبلوماسية وبلغة أنعم ومن باب المسؤولية الاجتماعية والتعامل مع الواقع الموضوعي كما هو، حرصاً على الالتزام بالآفاق العميقة لمشروع التحديث الملكي، وحرصاً على التدرج التربوي الثقافي المقنع.
وتلك وجهة نظر سمعتها أيضاً “القدس العربي” عملياً في نقاش على هامش ندوة خاصة تحدث فيها الفايز عن المستقبل والتحديث، مع العلم بأن طروحات الفايز تحض المجتمع والعناصر الشابة فيه، وأيضاً العناصر الحزبية الجديدة والقديمة على القيام بدورها في وواجبها في سياق رؤية مرجعية واضحة الملامح مادامت المؤسسة الملكية تقوم بواجباتها بشكل استثنائي في الخارج والداخل وتؤسس لحالة يجلس فيها الأردن على طاولة المجتمع الدولي بمكانة تليق به.
وفي الجانب المتعلق بالمحليات، ومنها الأحزاب السياسية والتوزيع الأفقي في الحواضن الاجتماعية للعمل الحزبي وإشكالات البنية العشائرية، كلها قضايا المفروض في الزاوية التي تفهمها “القدس العربي” من طروحات فيصل الفايز تحديداً أن تعمل بقية الأطراف في المجتمع على المعالجة.
في الخلاصة، إن أهمية ما قاله الفايز بحضور “القدس العربي” ونحو 70 ناشطاً وإعلامياً وشخصية عامة، على مأدبة حوارية سياسية صريحة بتنظيم طاقم مجموعة الصقر الإعلامية، لا تقف عند حدود التعليق نفسه بل تتجاوزها باتجاه الدلالات، ومن المهم بينها التأشير على أن التوافق حاصل على وثائق التحديث المرجعية الثلاثية، لكنه “منقوص” وغير متحصل بعد في مستويات التوافق على الإجرائيات. تلك حصراً مسألة تحتاج إلى حوار داخل مؤسسات القرار ونخبه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى