اراء و مقالات

الأردن: إصلاح أمور الدولة يبدأ بإعادة الهيبة للحكومة

الحكومات في الأردن يتم “التضحية” بها في موقد “كبش الفداء” كلما غضب الناس وبصرف النظر عن السبب، ويتم جلدها يوميا من الرأي العام والنخب والصالونات والقوى السياسية.

“مسكينة” الحكومة الأردنية – أي حكومة – الجميع ينتهكها ويعتدي عليها وتنفق وقتها في محاولة يائسة لـ “إرضاء الجميع” حيث “حيتان القرار والنافذين والمستشارين” خلافا للمهمة شبه المستحيلة وهي “إرضاء الشعب”. يتجول الوزير وهو يمارس مهامه في حقل من الألغام. يرتبك العمل وينقص الإنجاز بسبب “الهدر البيروقراطي” أو “فاقد” ناتج عن الانشغال برد المكائد والمؤامرات الصغيرة ثم ببساطة تهجم كل الأطراف على الحكومة وتنهشها مما يدفع مركز القرار وسط الموج إلى الدفع مجددا باستحقاق “تعديل أو تغيير وزاري” سرعان ما يتعرض الوزراء فيه أو بعده إلى ما تعرض له أسلافهم.
بكل حال ابتكر المشرع الأردني الأول فكرتي “الملك يمارس صلاحياته عبر الوزراء” و” الولاية للحكومة” لسبب وطني بامتياز محوره “تحييد” المؤسسة الملكية عن التجاذب والجدل. وبالتالي إبعادها عن مواجهة الشارع مباشرة والغرق في التفاصيل ثم بهدف تمكين جسم الحكومة من “تمثيل” أكبر حصة ممكنة من شرائح المجتمع ما دام الإيقاع يخلو من الأحزاب السياسية مما انتهى عمليا بنظرية “الحق المكتسب” ودفع المكلفين بالرئاسة عمليا للانشغال أثناء التحضير والاختيار بالمحاصصة البغيضة بكل ما تعنيه من خيارات ضيقة ومرتبكة وارتجال حتى أصبح “اللقب الوزاري” مع المرافق والسائق مطلبا بحد ذاته يغري المستوزرين وهم الطبقة الأكبر من الأردنيين دوما.
الحكومات في الأردن يتم “التضحية” بها في موقد “كبش الفداء” كلما غضب الناس وبصرف النظر عن السبب. ويتم جلدها يوميا من الرأي العام والنخب والصالونات والقوى السياسية ثم سرعان ما يطالبها من يضعفها بكل الأحوال بتمكين أرجلها وأذرعها من “السيادة والولاية”.
يعلم الجميع بأن رئيس الوزراء هو بمثابة الرجل الثاني في هرم الدولة بموجب النصوص الدستورية. لكن أغلب المختارين للموقع يبدأون لأغراض الخدمة أو البقاء في المنصب بتقديم تنازل تلو الآخر على أمل البقاء فيما ترتجف أيادي الوزراء بسبب موجة وموضة الرقابة على قراراتهم وأعمالهم حيث أجهزة رسمية باسم مكافحة الفساد والنزاهة تحشر أصابعها بأنف الوزير في عملية قد تنتهي بتقديم “أضحيات” على مذابح الرأي العام.
وزراء ومسؤولون، وأحيانا رجال أعمال محسوبون على السلطة، دفعوا ثمنا غاليا جراء هذا الوضع المربك على شكل “نيران صديقة” التهمتهم بظرف ووقت ما لكن تربص دوائر الرقابة الإدارية والمالية زرع في كل وزير خوفا عميقا من أي “زحلقة متوقعة” في أي وقت. يحصل ذلك رغم أن القيادة انتقدت عدة مرات تأخر وارتجاف الأيادي عن اتخاذ قرارات أساسية لتمرير العمل والواجبات حتى في قضايا وتفاصيل صغيرة.

 الحكومات في الأردن يتم “التضحية” بها في موقد “كبش الفداء” كلما غضب الناس وبصرف النظر عن السبب، ويتم جلدها يوميا من الرأي العام والنخب والصالونات والقوى السياسية.

البرلمان بعد الإصرار على هندسته يتحول إلى عصا غليظة تجلد الحكومة وتشغل الوزراء دون دسم حقيقي في الكثير من المحطات حيث ابتزاز شرعي بكل الأصناف وحيث الوزراء عموما صنفان الأول يتمتع بالحماية وصاحب حظ موفور والتحرش به مكلف وثمة من يتدخل للدفاع عنه، والثاني “مسكين” أو غير محظوظ، لا أحد يسأل عنه أو يتدخل لصالحه ويمكن انتهاكه وتشويه سمعته بكل بساطة لا بل الفبركة ضده مسموحة تماما خصوصا عبر منصات التواصل التي لا ترحم الآن.
رئيس الحكومة في العادة ولأسباب مفهومة “لا يثق” بجميع الوزراء الذين اختارهم أصلا لأنه باختصار لا يختار منفردا طاقمه فالكل عند الانتقاء يضع أيضا أصبعه في أنف الرئيس المكلف مما يدفعه لاحقا لاختيار وزيرين أو وزير واحد على الأرجح برتبة الموثوقية فيجالسه ويصارحه ويطلب منه “خدمات شخصية”. وسرعان ما يتحول الوزير المحظوظ هنا لشخصية نافذة ومحظية فيرتاب به زملاء أو يتقربون منه أملا في “الوصول سريعا” لدولة الرئيس الذي يحتاج بدوره لـ “عين له” على بقية أعضاء الطاقم.
الجهات التي يطالب ضمنيا أي وزير بإرضائها متعددة ومتزاحمة بصيغة لا يمكنها أن تمثل “دولة المؤسسات والقانون” وتشمل الجنرالات والنواب والمستشارين في مؤسسات سيادية والأعيان وقادة ومشايخ المجتمع وكبار النافذين من رجال الأعمال “العابرين لأي حكومة” إضافة لمجموعة “البانكرز” وغيرهم. كل هؤلاء يستطيعون دق إسفين في طريق الحكومة أو الوزير في أي وقت ولديهم تأثيرات على مواقع صحافية أو منصات وضليعون في إثارة الغبار وزرع الدسائس وتشويه سمعة أي حكومة. وكلهم تجنب إرضائهم بصفة شخصية يعني ارتفاع الفاتورة وكلفة البقاء خلافا للانشغال بإهدار وقت كبير في إضاءة الكهرباء التي تنطفئ فجأة أو تجنب المكائد ما صغر منها وما كبر.
كيف يمكن أن تنجز أي حكومة في ظل واقع من هذا النوع؟
جواب السؤال لم يعد صعبا فحتى حكومة مهاتير محمد لن تعمل في مناخ من هذا النوع فيما يسمح للجميع بانتهاكها مما يعطل دوما القيمة الدستورية الأرفع المتمثلة بدور وواجب وولاية “السلطة التنفيذية”.
في الخلاصة “تصليح” أمور السلطة يبدأ من إعادة “هيبة الحكومة” بقرار سياسي مرجعي لا تصلح معه العودة لما جرب سابقا باسم “حكومات الظل” ولا بدسترة “الأمر الواقع” الذي ينتهك فكرة الحكومة بالشكل والمضمون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading