اراء و مقالات

«خطوة مقابل خطوة»: هل ينجح الأردن في تأمين عودة ألف لاجئ سوري وتحريك «مخيم الركبان»؟

عمان – «القدس العربي» : «خطوة مقابل خطوة».. هذه العبارة التي استعملها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لأغراض الاستهلاك الإعلامي في شرح منطوق ومضمون ما حصل في الهوامش والعمق بعنوان اجتماع عمان التشاوري، الذي درس زاوية محددة في الملف السوري، وهي تلك التي تتعلق بكيفية عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.
واضح أن الدبلوماسية الأردنية هنا ابتكرت مفهوم خطوة مقابل خطوة في إطار نشاط حيوي بين تصورين عربيين ظهرا بخصوص المقعد السوري الخالي في مجلس الجامعة العربية ضمن وجبة التشاور الأولى في مدينة جدة، حيث حراك سعودي علني باتجاه تطبيع العلاقات مباشرة مع النظام السوري، ثم مبادرة أردنية زاحفة وبطيئة حاولت وضع أسس وملامح برنامج للتطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد، بحيث تعالج القضايا العالقة ويتم تدوير الزوايا الحادة وتعرض في المحصلة مسألة تسليم دمشق مقعدها في الجامعة على شكل مكافأة سياسية ودبلوماسية نظير التزامها ببعض الشروط.
تلك كانت بامتياز فكرة أردنية تحاول إبقاء المبادرة الملكية الأردنية العلنية على طاولة الحدث بطريقة منطقية سياسياً حتى لا يصبح جلوس النظام السوري على مقعده في جامعة العرب ردة فعل قوية وسريعة وخاطفة بدون تمحيص وتفحص ضمن تداعيات الاتفاق الاستراتيجي الضخم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية.
وهنا حاول الدبلوماسي الأردني المزاوجة بين الحراك السعودي ووضع برنامج لعودة دمشق، لاحظ الجميع بأنه يخلو من الأسقف الزمنية على أمل أن تحظى تلك العودة، ولو بقدر معقول، من التوافق العربي أو ألا تكون جزءاً من تجاذب ما يسبق انعقاد القمة العربية المقبلة في الرياض.

تكتيك دبلوماسي أردني

لم تعرف بعد طبعاً ردود فعل دول متحفظة على عودة النظام السوري للجلوس في مقعد الجمهورية السورية في الجامعة، لكن التكتيك الدبلوماسي الأردني حاول في التفاصيل وفي لهجة البيان الختامي لمشاورات عمان إظهار إمكاناته في النجاح وتحقيق الهدف، وإن كان ما تقرر في عمان سيبقى حتى اللحظة الأخيرة أقرب إلى صيغة اختبار أو بالون اختبار لا يسعفه الوقت الكافي أو المطلوب قبل القمة العربية.
وهو تلميح سياسي هنا أشار إليه الكاتب الصحافي الأردني نضال منصور، عندما عبر إلى صيغة تقترح بأن حضور سوريا رسمياً فعاليات القمة العربية مسألة قد تكون أجلت إلى الاجتماع التحضيري للقمة لوزراء الخارجية العرب.
بكل حال، حاور وناور الأردن الدبلوماسي بنشاط واضح في الملف السوري. وثمة مكاسب هنا تحتاج عمان إلى وقت إضافي حتى تقر أنها حصلت عليها، فعمان اليوم دبلوماسياً هي مهندس التفاصيل ضمن روح المبادرة الأردنية بالنسبة للجار السوري. وسياسة خطوة مقابل خطوة تجعل انسيابية إجراءات التطبيع مع دمشق عربياً مرتبطة بالتزامات سوريا وبصيغة قد ترضي الأطراف المتحفظة عربياً على صيغة ومعادلة عودة دمشق في القمة العربية المقبلة بقرار واحد وخاطف ثم استئناف الاتصالات معها لاحقاً.
الأردن بصيغة أو بأخرى، قدم مساحة تكتيك دبلوماسياً تسمح له بالبقاء فاعلاً في الملف، وقد تُجبر أطرافاً أخرى على الإصغاء، وإن تجزئة أي مكسب دبلوماسي تحصل عليه دمشق هو استراتيجية قد تكون فعالة في تغطية النواقص المرتبطة بسلبية النظام السوري تجاه بعض الملفات المهمة جداً والأساسية، مثل أمن الحدود، والميليشيات المسلحة، وعودة اللاجئين، وأيضاً مثل فتح المعابر الرسمية بجانب تركيا حتى تصل المساعدات إلى شمال شرق سوريا المنفصل عن النظام.
وجود وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وحضوره اجتماع عمان، مؤشر، ولو كان محدوداً، على أن دمشق تظهر المرونة والجاهزية، وأن القوى الأساسية التي تسيطر على القرار السوري مثل روسيا وإيران، لا تعارض أو تناكف لا المبادرة السعودية ولا البرنامج النشط الذي تقترحه الدبلوماسية الأردنية.
ذلك إنجاز بحد ذاته، لكن المناورة الأردنية حققت في المقابل بعض المكاسب، فأغلبية نصوص بيان عمان تناسب المصالح والملاحظات والتحفظات الأردنية خلافاً لأن الوزير المقداد التزم بتجربة قد تكون الأولى من نوعها عام 2011 وقوامها عودة 1000 لاجئ سوري كدفعة أولى إلى مناطق آمنة ومخدومة ومؤهلة، وهو نموذج قابل للتطبيق لاحقاً.

وثائق العودة

ذلك يعني أن الجانب السوري سيصدر وثائق العودة لهؤلاء، وأنه سيسمح بالعمل على تأمين إقامتهم مع المجتمع الدولي، وهو أمر يخاطب واحداً من أهم مؤشرات القلق الأردني، ويؤسس لما يمكن وصفه بـ«بروفة» قابلة للتطبيق مستقبلاً، خصوصاً أن رئيس وزراء الأردن الدكتور بشر الخصاونة، سأل في نقاش مع «القدس العربي»: أين يعود المواطن السوري؟
وهو سؤال يظهر أن مسألة عودة اللاجئين السوريين طويلة ومعقدة ومرتبطة بتأمين مناطق عودتهم وليس فقط بقرار سياسي أو شخصي منهم، فيما يبدو أن عمان حققت على الأقل ورقياً، مكسباً إضافياً بموافقة المقداد على صيغة معالجة ملف النازحين داخل سوريا، على أن يبدأ ذلك بمخيم الركبان الصحراوي، الذي يعدّ واحداً من أبرز مؤشرات القلق الأمني الأردني بحكم قربه الحدودي.
إن تمكن عمان بغطاء عربي من تحقيق عودة 1000 لاجئ سوري على الأرض وترحيل سكان مخيم الركبان وإعادتهم إلى مناطقهم، هو إنجاز كبير جداً لو تحقق فعلاً، فيما تحدث لقاء عمان أيضاً في سياق لهجة معالجة النواقص عن استئناف العملية السياسية والحوار السياسي في الداخل السوري، في إشارة تلفت النظر إلى الرأي القائل بأن عودة سوريا إلى مقعدها فعلاً وواقعياً مقيدة بشرط موضوعي عنوانه إنهاء الحالة الداخلية التي قادت أصلاً للجوء والحرب، خلافاً لأن عمان قطفت من الاجتماع التشاوري فكرة العمل على طرد كل المسلحين الأجانب في الداخل السوري وإنجاز ذلك بتدشين لقاءات أمنية وحدودية فوراً.
اعتبارات واحتياجات المطبخ الأمني الأردني استقرت بوقار في عمق الحراك الدبلوماسي للوزير الصفدي، وكان ذلك سبباً في تحقيق مكاسب على الورق أيضاً يمكنها أن تصبح واقعية أكثر إذا ما تم إدخال الورق المشار إليه في عملية سياسية بغطاء عربي يرتبط بكل تلك الحوارات التي تحمل اسم دمشق ومقعدها في القمة العربية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى