اراء و مقالات

الأردن في «الخطاب العشائري» الجديد: مع الدولة ولكن…

عمان – «القدس العربي»: قد تكون الدوافع “نضالية” وقد لا تكون، وقد تكون الدوافع مالية لكنها قد لا تكون. لكن الأهم في الحالتين، أن أي ذنب اقترفه عضو البرلمان الأردني، السجين لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي عماد العدوان، “مغفور شعبياً”.
الدوافع بصرف النظر عن ملامحها وهويتها لا تهم بأي حال من الأحوال الوجدان الجمعي والشعبي، لأن من يؤذي دولة الاحتلال أو يفكر بإيذائها وبأي طريقة هو بطل ومناضل حقيقي في الوجدان العام، علماً بأن الحساسات عند الدولة والبوصلة الرسمية ليست كذلك بمطلق الأحوال.

خطاب مختل

يزيد الأمر تعقيداً عندما يرصد الأردنيون بكل مكوناتهم ذلك الخطاب الشوفيني اليميني المختل الذي يضرب تارة منطوق الوصاية الأردنية في القدس، ثم يرفع تارة أخرى ملصقاً يتضمن خارطة إسرائيل الكبرى وهي تتجاوز شرق الأردن. ليس سراً أن تصريحات وسلوكيات وأوامر وزيرين متشددين في حكومة تل أبيب، هما إيتمار بن غفير وبتسيلئيل سموتريتش، أقلقت كل الأردنيين بما في ذلك من في قبورهم.
وليس سراً أن خطاب وتصرفات وأداء هؤلاء دفن اتفاقية وادي عربة في مخيلة الأردنيين، وأن الأداء اليميني انتهى بمحاصرة أي موظف أو سياسي يجتهد لصالح عملية تطبيع. ولا أحد اليوم حتى في خارطة نخب الدولة الأردنية، يتجرأ على الدفاع عن السلام أو الاتفاقية أو التطبيع في أي مجلس أو لقاء حتى ولو بين أقاربه المقربين.
بصورة مؤكدة، ليس سراً أيضاً أن ما قاله الشيخ طراد الفايز أمام “القدس العربي” ومعه جنرالات متقاعدون، أصبح عنواناً لقناعة جديدة راسخة في بنية العشائر الأردنية والمكونات الاجتماعية، بعنوان يقول وبكل اللهجات واللغات بأن تصرفات اليمين الإسرائيلي مرة مع الوصي ومرات مع أهل الضفة الغربية وغيرها مع الشرقية إنما تدل على ما سمّاه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، بالأطماع التلمودية المؤجلة.
الشيخ الفايز قالها بوضوح مع صحبه فيما كانت “القدس العربي” تدير النقاش بين نحو 30 شخصية بارزة وطنية: المشروع الإسرائيلي اليميني الصهيوني يستهدف ليس النظام والدولة الأردنية فقط، ولكن هويتنا الوطنية.
تلك مسألة دونها خرق القتاد وإعداد العدة؛ لأن لحظة الصدام الأردنية، وطنياً وعشائرياً واجتماعياً وعسكرياً، آتية لا ريب فيها، ولا بد من الاستعداد لها حتى بتقدير وزيرين سابقين، هما الدكتور ممدوح العبادي وسمير الحباشنة.

مع القصر ولكن…

في السياق نفسه، لم يعد حكيماً الادعاء بأن ما يحصل في اجتماعات نخب الأردنيين لا يحصل عندما يتعلق الأمر بالنظرة الجديدة للعدو الإسرائيلي، أو التي تجددت على أساس أنه ليس شريكاً أصلاً، فالعبارة التي سمعتها “القدس العربي” في أكثر من اجتماع في المسألة الإسرائيلية هي تلك التي تؤكد الصيغة التالية: “بالتأكيد مع القصر الملكي… أكيد مع خيارات الدولة.. ولكن”.
مفردة و”لكن” التي تضاف هنا تعني الكثير، لأن إسرائيل حتى في خيارات الولاء المطلق أصبحت أو انتقلت إلى عدو مبين واضح ومكشوف، لا بل خطير، وأن ما يحول دون قراءة هذه الخصومة مع الأردنيين دعماً وشعباً ودولة ونظاماً، برأي الشيخ مراد العضايلة الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، هو ذلك التسليم ثم الانخراط بالتبعية اقتصادياً وسياسياً للإدارة الأمريكية. مبكراً، عبر المصري عن مخاوفه من كلفة وفاتورة الانخراط في الحسابات الأمريكية في المنطقة. ومبكراً، قيل بأن الانخراط مع الأمريكيين قد لا يوفر الحماية للأردن من أطماع وطموحات اليمين الإسرائيلي الذي يتحدى بدروه وبكل وضوح الحسابات الأمريكية.
لذلك، تبرز في الأردن تلك اللهجة خصوصاً في الأوساط القبلية والعشائرية التي تفلسف قانونياً ودستورياً ولأول مرة تماماً منطق الحق الدستوري للمواطن الأردني في الدفاع عن نفسه وبلده عبر مناصرة مقاومة الشعب الفلسطيني. وحقاً، كما يحصل دوماً، أول من سجل المفارقة والتقطها هنا هو العضايلة، عندما خطب في ذكرى معركة الكرامة قائلاً إن الجيش والشعب في المملكة الأردنية الهاشمية مع تحرير فلسطين والمقاومة.
رد على تلك الأطروحة ومثيلتها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، علناً عندما قال إن الأردن لا يستطيع تحرير فلسطين ولا مجابهة إسرائيل، فجاء الرد على الرد أيضاً بلسان الشيخ العضايلة وهو يستذكر ما حصل في معركة الكرامة عندما هزم 6 آلاف عسكري بالرقم، جيش الدفاع الإسرائيلي المؤلف من 55 ألف عسكري صهيوني. ورد أيضاً اللواء المتقاعد زهدي جان بيك، وهو يقترح: كيف لا يرتدي كبار المسؤولين الأردنيين الزي العسكري كما فعل الرئيس زيلينسكي وهم على علم بأن في جوار الوطن عدو رابض منذ 70 عاماً؟ لا أحد يطالب القادة السياسيين اليوم بارتداء الزي الكاكي ولا الفوتيك، وهو لباس العسكر. لكن المناجزة، بالمقابل، تلك التي اقترحها مبكراً منذ أسابيع وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، وهو يطالب بصحوة ويقظة، أساس فكرتها ببساطة اليوم أن التكيف غير ممكن مع من يرفض وجود الأردني، وأن حكام تل أبيب اليوم ينكرون الأردن أصلاً. كلام يصنفه بعض الموظفين تحت وطأة القراءة السطحية للأحداث باعتباره خطاباً غرائزياً وشعبوياً.
لكن مثل هذا التصنيف هو في مواجهة تلمس الوقائع والأحداث التي أعقبت إعلان إسرائيل عن ضبط شحنة السلاح في سيارة النائب عماد العدوان مع كميات من الذهب. ليس تلك الواقعة، بل ما تبعها من توفير حاضنة شعبية وعشائرية غير مسبوقة للنائب، هو ما يمثل القرينة الأهم على أن تراجع كل نغمة الدفاع عن العلاقات مع إسرائيل والسلام والتطبيع، يرافقه فيزيائياً اليوم خطاب اجتماعي ووطني عابر للمكونات يؤمن تماماً بالقول حتى الآن قبل الفعل بأن التشبيك ما بين العشائر والمكونات الاجتماعية الأردنية وما بين المقاومة الفلسطينية أصبح خطاباً من أجل المستقبل، فكرته لم تعد تحرير فلسطين أو استعادة الضفة الغربية بقدر ما أصبحت الدفاع عن الأردن وحماية الهوية الوطنية للأردنيين.

السطر المخفي

الفيزياء هي التي تحكم المساحات اليوم، والسطر المخفي الذي لا تقوله علناً تداعيات قضية النائب العدوان هو ذلك الذي يلاحظ بأن دعاة وأنصار السلام والتطبيع كلما خسروا مساحة ولو صغيرة، جلس فيها دعاة وأنصار ورموز مؤمنون بوحدة المصير المشترك مع الشعب الفلسطيني، ليس فقط لأن الجغرافيا تقول ذلك، ولكن أيضاً -وهذا جديد تماماً في اللغة والقاموس- لأن الدفاع عن مشروع الأردنيين وهويتهم أصبح يتطلب العبور والتشبيك مع فكرة ومنهجية المقاومة الفلسطينية.
هنا حصراً قد لا تكون حسابات التصرف المؤسسي والرسمي مهمة.
وهنا حصراً أيضاً، ليس مهماً إطلاقاً البحث في دوافع تهريب النائب العدوان أو غيره للسلاح إلى فلسطين المحتلة حتى وإن كانت “مالية” أو جنائية، كما يقول بعض زملائه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading