اراء و مقالات

ورشات الإصلاح «شبه منتهية» في الأردن و«ميكانيزم» حكومات المستقبل: وزارة «لا تفكر كثيراً» ووزير «لا يجتهد»

عمان- «القدس العربي»: اللهجة التي استعملها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وهو يتقبل من الحكومة ظهر الأحد مشروع خططها بخصوص إصلاح القطاع العام، لا توحي إطلاقاً في حال الاحتكام إلى حرفية النص وبصرف النظر عن عنصر المفاجأة الزمني بأن الحكومة الحالية راحلة قريباً.
ولا توحي اللهجة نفسها بأن سيناريو التغيير الوزاري مطروح بإلحاح الآن وبعد عبور الميزانية المالية من البرلمان، كما تصورت أو خططت بعض مراكز القوى أو أوساط النخب المنشغلة اليوم بترحيل طاقم الحكومة الحالي أو تقليص فرصه في البقاء بدلاً من الانشغال بما هو أهم ومنتج أكثر.
أطلقت حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة هنا خطتها الطموحة لإصلاح القطاع العام، التي تعتبر بمثابة الوثيقة الثالثة الموازية لوثيقتي التمكين الاقتصادي وتحديث المنظومة السياسية، وإن صدور توجيهات ملكية علنية للحكومة بخصوص بعض التفاصيل الفنية في خطة إصلاح القطاع العام يعني عملياً وإجرائياً بأن الخطة نفسها متجهة إلى ماكينة القرار في الدولة نفسها لا بل مقبولة وتحظى بالإرادة المرجعية بالرغم من الضجيج الذي يثار حول بعض تفصيلاتها.

توجيهان ملكيان

توجيهان ملكيان بالمناسبة يمكن اعتبارهما الأكثر بروزاً: الأول هو الذي يأمر الحكومة ضمناً بأن تشرح لبقية المؤسسات والرأي العام قراراتها الإدارية، بمعنى توفير مساحة زمنية للشرح والتفصيل تجنباً لكمائن ومطبات سوء التفسير أو عدم الفهم، وتلك ملاحظة توجيهية في غاية الأهمية والدقة.
وكانت الملاحظة التوجيهية الثانية تلك التي أكدت على تذكير الحكومة بضرورة تلازم مسارات الإصلاح الثلاثة المتاحة اليوم، بمعنى التشبيك بينها، الأمر الذي يظهر حرصاً مرجعياً على عملية هرمومنية متسقة وغير متعاكسة في نصوص الوثائق الثلاث ومساراتها باعتبار الحكومة جهة التطبيق. وذلك توجيه أيضاً مفصل يظهر – برأي عضو مجلس الأعيان خالد البكار، كما أبلغ ” القدس العربي”- الحرص التفصيلي والجذري على العناية بالجوانب الإجرائية. بكار يصوت لدعاة تلازم مسارات الإصلاح الثلاثة، ويعتقد أنها المرة الأولى التي يوجد فيها وثائق مرجعية عابرة للمؤسسات وتحظى بالإرادة وتشكل تقاطعاً لتفاهمات اجتماعية وتكنوقراطية وسياسية ووطنية.
وعملياً، يلفت ذلك النظر إلى أن توجيه القصر الملكي لملاحظات دقيقة وتفصيلية وفنية تخص خطوة تطوير القطاع العام هي خطوة تلفت نظر الحكومة والأجهزة التنفيذية إلى أن مساحة التطوير الإداري لا تقل أهمية بذهن القرار المرجعي عن مساري التحديث والتمكين، حتى وإن كانت الحكومة هي الجهة التي تولت تشكيل لجنة تطوير أداء القطاع العام وأشرفت عليها وليس الديوان الملكي.
سمعت “القدس العربي” مبكراً أيضاً من رئيس الوزراء شخصياً قناعته الإجرائية والتنفيذية بتلازم مسارات الإصلاح وبأهمية تكريس بنية صلبة لإصلاحات إدارية، والقناعة بأن عزل الإصلاحات قد يفقد بعضها قيمته، وأن المطلوب هو التطلع للمستقبل بخطوات واثقة حظيت بالتوافقات.
ذلك خطاب يرفع من شأن ما اقترحته اللجنة التي شكلها الخصاونة لوضع مقترحات جريئة في ملف الإصلاح بالقطاع العام، والذي يعتبر من الملفات الأساسية والشائكة جداً والمنتجة للخلافات.
لكن الحكومة الحالية – برأي عدة أوساط – محظوظة أكثر من غيرها؛ لأن بقية الأطراف في المجتمع والدولة ساعدتها في توفير بنية وثائق مرجعية في كل المجالات، بمعنى أن الحكومة الحالية ولاحقاتها حكومات المستقبل، مطلوب منها بعد الآن التنفيذ والالتزام وليس التخطيط والابتكار والانشغال في التفكير.

3 وثائق

الوثائق المرجعية الثلاث – برأي الخبير والديناميكي في مجلس النواب الدكتور خير أبو صعليك- توفر ذلك الميكانيزم. والأهم -برأي خبراء إدارة الملفات- هو تفريغ الحكومات لاحقاً بعدما يتم خلطها بالمعيار الحزبي والبرلماني للعمل الإجرائي الذي يمكن أن تحاسب عليه بدلاً من الانشغال بوضع السياسات.
وهو ترتيب جديد تماماً على النخبة والمؤسسات في الأردن، ويسمح بأول مرة بتقنية خاصة جداً توفر الوقت للأداء الإنتاجي والميداني، وتنهي حالة الفصام والازدواجية الإدارية، بمعنى تقليص مساحة الاجتهاد أمام وزراء المستقبل ببعده الشخصي وحتى الحزبي، وبمعنى معرفة الوزير المقبل بأنه سيحضر وينضم للحكومة بناء على برنامج يتفق مع وثائق مسارات الإصلاح الثلاثة بعد الآن.
تجنباً للاحتقان والتجاذب وحتى المبالغة في الاجتهاد الشخصي وما لم يقله صناع هذا النمط من مسارات الإصلاح الثلاثية بعد، هو أن البلاد تتجهز عموماً لتجربة فريدة من هذا النوع، يرى البعض أنها تعتدي على الولاية الدستورية للحكومات، ويرى البعض الآخر أنها تقنية إبداعية إلى حد ما، فيها قدر كبير من التركيز على العمل في الميدان بدلاً من صراعات الأقطاب والنخب وحيتان الإدارة ومدارس الحكم.
بكل حال، مهندس الإيقاع في مسارات الوثائق الثلاثة كان ولا يزال رئيس الوزراء الحالي، وإن إصدار التوجيهات العلنية به في زوايا تفصيلية ضمن مسار إصلاح القطاع العام يعني أن ترتيبات المرحلة الثلاثية شبه انتهت إجرائياً وتنظيرياً على الأقل.
كما يعني بأن الرئيس الخصاونة بقي ولا يزال وقد يبقى لاحقاً في وسط معمعان عملية التحديث بأجنحتها الثلاثة، ووفقاً لمنطق التلازم العضوي الذي سمعته “القدس العربي” منه. وتلك، برأي بعض الناقدين، هندسة للإصلاح بدلاً من الإصلاح الحقيقي.
لكن الآراء الناقدة يتم تجاوزها، فالاحتياجات مطلوبة لإدارة الاقتصاد والقطاع العام، والتجربة الحزبية اليوم محددة وواضحة، والسياسات العميقة كانت وستبقى تصنع في مؤسسات الدولة العميقة السيادية التي سينضم لها مجلس الأمن القومي، فيما المطلوب من أطقم الوزراء تقليص شعورهم بالأنا، والعمل على أساس برنامج مرجعي اتفق عليه الجميع وأنجز. وعلى قاعدة من لا يجد في نفسه الكفاءة لهذا العمل سيخرجه الميكانيزم من المعادلة وبكل بساطة وسيأتي بغيره.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى