اراء و مقالات

إسرائيل عندما تلعب بـ«النار الأردنية»: أدبيات «عشائرية وشعبية» بالجملة تدعم الحرب الشعبية والعودة لـ«دولة مواجهة»

عمان – «القدس العربي»: أغلب التقدير أن الشرطية التي أمسكت بشعر طالبة جامعية أردنية محتجة في موقع الاعتصام بالقرب من سفارة إسرائيل وسط عمان ومئات الكاميرات، لم تكن تعلم مسبقاً بأنها تؤسس لمفارقة سياسية، عملياً، خارج سياق الموقف والنص الرسمي للدولة.
لا أحد يعلم ما الذي يشعر به أي شرطي يتعرض للاستفزاز أو يشتم مثلاً بعد ساعات طويلة من الحراسة، والوقوف قبل إنتاج المشهد يمكن القول بأنه يغرد خارج السرب تماماً في النتيجة، وإن كان التصرف فردياً في كل الأحوال، وفقاً لبيان أصدرته مديرية الأمن العام قالت فيه بأنها تحقق بمضمون فيديوهات تداولها الأردنيون بكثافة على المنصات تتضمن مشاهد فردية لرجال أمن يتصرفون بصورة غير لائقة مع معتصمين.
عملياً، يحتاج الشرطي الفرد -رغم كل متاعبه ودوره الوطني- إلى خبرة تؤهله للعلم بأن دوره ودور أي محتج الآن في خندق واحد عنوانه – بعيداً عن المشاعر وكلاسيكيات التضامن مع الشعب الفلسطيني- حماية وتحصين الوصاية الهاشمية ودعم خيارات ومصالح الدولة الأردنية مرحلياً.
تلك طبعاً مسألة تحتاج إلى المزيد من الوقت لتنضج، وان كان المحتج بصرف النظر عن هويته وخلفيته السياسية ينبغي بدوره أن يعلم مسبقاً بأن رجال الأمن في الشوارع وفي اللحظات العصيبة تحت ضغط هائل ومرهق وليسوا في مستوى الخصومة بالتأكيد.
مثل تلك المشاهد تحصل وإن كان المعروف الآن بأن المحتجين والمتظاهرين دعماً لفلسطين في المشهد الاجتماعي الأردني أربعة أصناف، في تطور لافت جداً على الحراك الوحدوي المتضامن مع القدس والمسجد الأقصى، ولاحقاً مع قطاع غزة.
الصنف الأول التكوين الأبرز له عشائري واجتماعي، ويحاول التركيز على مناطق التماس الحدودي مع فلسطين المحتلة.
والصنف الثاني يتحرك ويعمل تحت يافطة الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين ويتمركز في وسط العاصمة عمان وفي بعض الأحياء، ويتنقل هنا وهناك.
والصنف الثالث يعكس رغبة القوى اليسارية تحديداً وبعض النكهات القومية في إظهار التبابين عن الإسلامين أو غيرهم برفقة نشطاء مدنيين، وهؤلاء يزاحمون لإظهار موقفهم في منطقة الدوار الرابع بالقرب من مقر رئاسة الوزراء.
أما الصنف الرابع فيضم الجيل الثالث والشاب من طلاب الجامعات صغار السن، المنظمين برفقة مبادرات تواصلية، ويحاول إظهار شغفه بالاعتراض في منطقة الرابية وإيصال صوته بعيداً عن يافطات الأحزاب والقوى التقليدية.
وتلك شرائح في المجتمع الأردني ولدت بعد الامتحان العسير الذي تتعرض له اليوم الوصاية الأردنية على القدس والأوقاف، وسط أدبيات بدأت تعكس ميل المزاج الشعبي عموماً للتحول إلى دولة مواجهة، حيث طروحات واقتراحات ومطالبات شعبية ثقيلة من الصنف غير المألوف في معادلة الشارع الأردني.
هنا تحديداً يقترح عقلاء كثر، من بينهم النائب البرلماني خليل عطية، مقاربات تدرك لحظة الوعي السياسي وتذهب في اتجاه إجراءات في الرد على العدو الإسرائيلي حتى لا تفلت الأمور.
واحد من التحديات ذات البعد الأمني هذه المرة يتمثل في المفاجأة التي برزت الجمعة الماضي، حيث توافد أكثر من 50 ألف مواطن إلى مناطق التماس الحدودي مع فلسطين في منطقة الأغوار، مما شكل صدمة رقمية عملياً، لكنه أظهر عجز الحكومة عن ما سمّاه النائب البرلماني صالح العرموطي بالفشل في الارتقاء لمستوى الحدث دفاعاً عن المصالح الحيوية للدولة الأردنية أيضاً، كما فهمت «القدس العربي».
في الأثناء يظهر عبء محاولات التسلل الفردي على مناطق الحدود الواسعة مع فلسطين المحتلة، ففيما كان الجمهور يعتصم بكثافة في الأغوار جنوب عمان، حمل شابان أردنيان السكاكين وتسللا عبر الحدود من إحدى قرى الشمال قبل إلقاء القبض عليهما ثم إعادتهما إلى أهلهما بجهد دبلوماسي كبير.
مع نمو الاستهداف لقطاع غزة عسكرياً، وسياسات العدو في المسجد الأقصى والقدس وتوسع مساحات الانتفاضة واعتداءات المستوطنين، يصبح التسلل المحتمل عبر الحدود الأردنية من الحوادث المحتمل تكرارها، الأمر الذي يؤسس لمعادلة اشتباك جديدة قد تنطوي على مفاجآت.
لا يقتصر الأمر على مثل تلك المعطيات على الأرض، فحدود الأردن مع الكيان تعتبر الأكثر أمناً والأقل تسللاً منذ أكثر من أربعة عقود، وهو وضع قد لا يستطيع الصمود أكثر، وعلى الأرجح يمثل حالة يقصدها في الباطن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عندما يكرر مع حكومته مقولة «إسرائيل تلعب بالنار».
الضجر الشعبي والرسمي الأردني من سياسات اليمين الإسرائيلي التصعيدية يتضخم بصورة غير مسبوقة في الأردن. ومع عجز الحكومة والدبلوماسية الأردنية في الدفاع حتى عن اتجاهات ومصالح الدولة، بدأت الصيحات والمبادرات الشعبية المعارضة هي التي تتصدر المشهد في واحد من التحديات السياسية غير المسبوقة.
هل يتحول الأردن، شعبياً على الأقل، إلى دولة مواجهة؟
سؤال بمنتهى الصعوبة، وإجابته أسهل عندما يتعلق الأمر بالمزاج الشعبي، فالتواجد الدائم عند نقاط التماس الحدودي مع فلسطين ليس مشهداً مألوفاً، ومشهد العسكري الإسرائيلي الذي يرفع علم كيانه على بعد أمتار فقط لإغاظة محتجين من أبناء العشائر الأردنية أيضاً غير مسبوق.
ثمة مشاهد بمثابة إنذارات تقرع وبقوة، من بينها أن الواجهات الشعبية الأردنية على الحدود الطويلة مع الكيان لم يسبق أن احتاجت إلى استعراضات واستفزازات عسكرية من هذا النوع كانت تحصل بالعادة على الحدود مع مصر ولبنان.
مجدداً، التصعيد شديد، وزوايا الخيارات ضيقة أمام الحكومة؛ فرئيس مجلس النواب ووزير العدل الأسبق والقطب المشرع في البرلمان الآن عبد الكريم الدغمي، يعكس مزاجاً حاداً وهو يدعو تحت القبة إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية المسلحة بالمال والعتاد والرجال، فيما قبيلته الأضخم أردنياً، وهي قبيلة بني حسن، تطالب الفلسطينيين بحصة من المشاركة في شرف الدفاع عن المسجد الأقصى.
الدغمي أيضاً تحدث تحت قبة البرلمان عن التحول إلى دعم حرب التحرير الشعبية، وزميله العرموطي خاطب رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة: «مارس ولايتك العامة، وضع يدك بيد حركة حماس».
في الأثناء، النائبان ينال فريحات وموسى هنطش، يطالبان الحكومة بفتح مكاتب لفصائل المقاومة في قلب عمان، والبرلماني خليل عطية يهدد بالاعتصام تحت القبة إذا لم يطرد سفير الكيان، وزميله أسامة عجارمة يتحدث عن «زحف عشائري» لعمان العاصمة.
أدبيات ونصوص ومطالب غير مسبوقة في المشهد الأردني، وتنتمي إلى عائلة تلك النصوص المتعلقة بالتحول إلى دولة مواجهة في واحد من الإيقاعات المستحدثة التي فرضها اليمين الإسرائيلي قسراً الآن على اتفاقية وادي عربة وشريك السلام الأردني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading