اراء و مقالات

الأردن: سؤال «التأجيج» ضد الحراك الشعبي المناصر لفلسطين بلا جواب

عمان ـ «القدس العربي»: لا حاجة للاسترسال في سيناريو عقد اجتماعات مناطقية أو حتى عشائرية تنتهي بالأردن بإصدار بيانات ولاء وتأييد وتسترسل في التلويح لجهات غامضة «تتآمر» على البلاد وتوجه رسائل بإيحاءات لجهات أخرى بالداخل والخارج.
كل الوقائع في حالة الاحتقان، والملاسنة التي شهدتها الساحة المحلية مؤخراً تؤشر على حوار مرتبط بمسيرات سياسية مسموح بها وهتافات بعضها معقول وبعضها الآخر مسيء.
في العادة، ومنذ سنوات طويلة، تشهد تظاهرات الشارع في الأردن بصرف النظر عن خلفيتها، حالة من التوتر والتشنج وتبادل الاتهامات. حصل ذلك مع التجمعات الصاخبة في أزمة المعلمين ومع مطالبات الإصلاح السياسي وعشرات الفعاليات لتي دعت لإسقاط الفساد والفاسدين ومئات بل آلاف المسيرات قومية أو دينية الطابع.
حصل ذلك حتى في تجمعات الاحتفالات الوطنية أحياناً حيث احتكاك مرفوض دوماً هنا أو هناك بصفة فردية بين مواطن أو رجل أمن أو العكس، وحيث شرائح في المجتمع تشعر بأن أي فعالية تعطل مصالحها، وحيث أيضاً بيانات أمنية تذكر المواطن دوماً بفهم المؤسسة لحدود وسقف التظاهر السلمي المكفول بالدستور.
طوال عقود يتظاهر الأردنيون بهدوء وسلمية تحت عنوان الولاء للقيادة والدولة بكل حال، وفي تظاهرات الدوار الرابع الشهيرة كان تحالف قد أسقط حكومة كاملة وقفز بأخرى في واقعة معروفة؛ بسبب قانون الضريبة مع القطاع المصرفي وشركاء من داخل المؤسسات.

إغلاق واستنفار

طوال عقود، تغلق الساحات العامة أحياناً وتستنفر المستويات الأمنية في حماية السفارات، وتحصل اعتقالات، وتحال ملفات إلى أمن الدولة دون أن تظهر نغمة بصورة أفقية غامضة تشيطن المتظاهرين أو تشكك بولائهم، ودون حاجة إلى تذكير مكونات المجتمع بضرورة إصدار بيانات مضادة.
حصل ذلك في الماضي حتى في الملفات والقضايا التي لا يتوافق الأردنيون عليها، وحتى في موجة الربيع العربي الشهيرة. لذا، لا أحد يفهم بعد لماذا يحصل كل ذلك في غضون أسبوع واحد في مواجهة حراك شعبي سياسي هذه المرة يظهر في جوهره وحدة الموقف بين الدولة والمؤسسات والقيادة والشعب تجاه العدوان الإسرائيلي الهمجي؟
سؤال يتكرر بغلاظة، ويصدم الرأي العام الأردني: لماذا يستدعي البعض كل الذكريات الحزينة عن الماضي بهدف شيطنة حراك شعبي سلمي متكرر يقول لإدارة الدولة إن الشعب الأردني ضاق ذرعه بسفارة إسرائيل؟
لماذا تنتج فجأة وخلف ستائر الظلام مكونات مادة مثيرة للسخرية السياسية عن مؤامرة متسقة بين الداخل والخارج، فيما المكون الاجتماعي للمتظاهرين في الشارع الأردني عابر تماماً لكل هوياتهم وخلفياتهم، فالإسلامي الشيخ مراد العضايلة حضر لساحة ضاحية الرابية برفقة الناشط العشائري محمد خلف الحديد، واليساري كان إلى جانب رموز التيار المدني وأبناء العشائر إلى جانب بعض أبناء المخيمات.
ثمة من يتصور أن بعض مراكز القوى لم يعجبها هذا الخليط الوحدوي من الأردنيين، الذي يتظاهر خلف ثابت القيادة والدولة ومن أجل القدس وأهل غزة؛ بمعنى وجود اتجاهات قررت، في ظلمة، تشويه وشيطنة حراك شعبي وحدوي هذه المرة في مواجهة مخاطر الغطرسة الإسرائيلية التي تطال مستقبل الأردنيين، كما صرح الناشط النقابي المعتقل حالياً ميسرة ملص.
يحتاج المراقب الآن إلى فهم أعمق لمسار تلك الشيطنة التي تحدث عنها بوضوح باعتبارها جرائم ضد السلم الاجتماعي الأردني ولأول مرة بيان وقع عليه نحو 40 شخصية هي الأرفع والأكبر والأكثر خبرة والأهم في المجال الحقوقي.
بين الموقعين المرجع القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم، الذي أعاد التذكير عندما استفسرت منه «القدس العربي» بالحقوق التي كفلها الدستور الأردني، وكان صاحب المبادرة القانونية التي حذرت وزارة الزراعة الأردنية على سبيل المثال من أن الصمت على إرسال منتجات والتصدير للعدو الإسرائيلي قد يعتبر مستقبلاً جزءاً من إسناد جريمة الإبادة. بين الموقعين أيضاً المفوض العام السابق للمركز الوطني لحقوق الإنسان السفير المخضرم موسى بريزات، الذي سمعته «القدس العربي» مرات عدة، يدعو إلى مقاربة جديدة أكثر عمقاً وخبرة في مواجهة انقلاب اليمين الإسرائيلي المتوحش على الجميع.

أسئلة عن التأجيج

الأسئلة التي رافقت مؤخراً عملية التأجيج ضد الحراك الشعبي المناصر لغزة هي بلا أجوبة حتى الآن، خصوصاً أن من أداروا هذه الحملات التي وصفها الحقوقي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة بأنها ظلامية ومختلة، يواصلون مسارهم. وقرر الشارع الأردني بوضوح حتى صباح العيد وبعد أكثر من أسبوعين العودة لشارع الكالوتي والرابية، والهتاف ضد سفارة إسرائيل.
عاد المتظاهرون والمحتجون على تلك السفارة إلى المكان نفسه، وبدأت تظهر تلك الإيجابيات البيروقراطية الأمنية، حيث ضابط الميدان يهتف مخاطباً المحتجين بهدوء ونعومة قائلاً إن رجال الأمن وظيفتهم حماية الموجودين وحماية الممتلكات.
صفق المحتجون لخطاب الضابط الأمني الرفيع، وانتهى الاعتصام بسلامة دون أي احتكاك، الأمر الذي يثبت مجدداً -حسب العياصرة وغيره- عدم وجود مؤامرة تستدعي أطنان المقالات والحسابات الوهمية التي تنشط، لكن وثبت أيضاً بأن المتجمعين في الشارع ضد سفارة الكيان ليسوا بأقل حرصاً من رجل الأمن على السلم المجتمعي. في الأثناء، وفي مفارقة بمنتهى الغرابة، تصدر بعض البيانات باسم الولاء وكأن المحتجين على السفارة خارج نطاق الموالاة للدولة وللمؤسسة، فيما الموقف من العدوان هو حالة ملموسة من التوحد بين الشعب وموقف القيادة، وفقاً للدكتور محمد حلايقة. في الأدبيات التي يمكن الاستغناء عنها «متآمر ما غامض» دون تحديد من ومتى وكيف، وعبارات «فتنوية» أحياناً، والصيغة أن سؤال التأجيج في المحصلة بقي خارج الإجابة المقنعة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى