اراء و مقالات

رؤساء حكومات الماضي الأردني بين «فكي كماشة»: شارع «لا يرحم» وإقصاء «رسمي»

«نحكي مع مين … بشو؟»…

عمان – «القدس العربي» : يختصر قطب سياسي أردني مخضرم من وزن رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، المسافة الفاصلة تماماً بين سؤال الرأي العام أو الشارع الاستفهامي الذي تجول بكثافة مؤخراً حول أسباب وأسرار قلق وانزعاج نخبة عريضة من رؤساء الوزارء السابقين، وبين حالة السؤال الشعبية المتراكمة على أكثر من صعيد.
المصري وقبل أيام فقط من محاضرة مثيرة لها علاقة بـ»جدل الهوية والمواطنة» مساء السبت، كان في نقاش خاص بحضور «القدس العربي» يطرح – تعليقاً على تغييب «قيمة التشاور»- سؤالاً مختلفاً وصريحاً وعفوياً: نتحدث بماذا ومع من هذه الأيام؟

باللغة الأبسط: «نحكي بشو مع مين؟»

الإشارة الاستنكارية هنا واضحة الملامح، وقد تجيب على ذلك السؤال الحائر أيضاً وسط نخبة من كبار المسؤولين في البلاد حول الأسباب التي تدفع سياسيين كباراً في هذه المرحلة الحرجة من عمر الإقليم وترتيبات المنطقة والتساؤلات الوطنية الأساسية، إما للصمت أو للغياب، وفي حال الظهور للتعبير عن القلق أو الإمتناع عن تقديم معالجات للمشكلات الوطنية المستعصية.

«نحكي مع مين … بشو؟»…

ضمناً، تفهم «القدس العربي» من المصري بأن سؤاله – وقد سمعته من نظيرين على الأقل للمصري – له علاقة بذلك الانقطاع الملموس في التواصل والتشاور بين حكام اليوم أو رموز وأدوات السلطة والمطابخ السياسية المحلية وغير السياسية اليوم، وبين نخبة من طبقة رجال الدولة المبتعدين عن الأضواء والذين يحاكمهم أحياناً الرأي العام الأردني غيابياً. وهو ما لمح له بذكاء شديد رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، عندما لمح ضمنياً على هامش ندوة عامة إلى تلك المحاكم الشعبوية التي تغتال السياسي أو المسؤول السابق دون وجه حق.
ما يؤشر عليه المصري بخبرته العتيقة، أن رموز الإدارة الحاليين في الواقع لم يقف أغلبهم عند حدود عدم الاستفادة من خبرات من سبقوهم في الإدارة فقط، بل استرسلوا في اتجاه عدم الإصغاء وتغييب العديد من الرموز، لا بل والملاحظة عليهم.
وهو أمر يلتقطه الشارع المتحمس مرحباً بأي نقد، وقد برز ذلك مؤخراً عبر منصات التواصل الاجتماعي في التهمة التي قدمت شعبوياً وبصورة متسرعة إلى حد ما، وخالية من الانصاف لكل رئيس وزراء سابق تحدث في الشأن العام علناً، وعلى أساس أن تردي الحالة العامة اليوم هو جراء سياسات وبرامج هؤلاء الذين ينبغي أن يكونوا مسؤولين عما يجري اليوم رغم أنهم ليسوا في موقع المسؤولية، لا بل رغم أن معظمهم خارج طاولة التشاور والنفوذ، ويخضعون للتشكيك، مرة من الآراء والتقييمات المتسرعة في الشارع، ومرات من مؤسسات القرار ورموزها الشابة أو الليبرالية أو المحافظة الجديدة.
يحتاج الأردينون اليوم إلى آلية وتقنية أكثر عدالة وإنصافاً في التفاعل مع نادي رؤساء الوزارات ومع استمرار ظاهرة تحدث لبعض هؤلاء في ندوات عامة، يمكن القول بأن ظاهرة القلق أو ما وصفه رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي بـ»فزع» الجيل الذي يمثله، هي التي تطفو على سطح الأحداث الآن.
لكن كل من ينتقد أعضاء نادي الرؤساء السابقين وهم يتحدثون في الشأن العام بقدر من الصراحة والشفافية ويثيرون أسئلة أكثر مما يقدمون أجوبة يسقط من حساباته أثناء النهش والمناولة أو الاتهام والتقييم والتشخيص أن هؤلاء أو من في موقعهم في المجتمع، يسألهم الناس.
ويطلب منهم المشاركة في أوراق عمل والإدلاء برأيهم، وهي مسألة مكلفة، على حد تعبير الروابدة. لكن التقييم الاتهامي هنا حتى في السلطة، يدفع أو يسير في اتجاه معاكس للقناعة بأن غياب اليقين العام على المستوى الوطني عند شرائح كبيرة من الأردنيين، على حد تقييم السياسي مروان الفاعوري، خلافاً للإشكالات والتحديات، إنما يدفع نشطاء ندوات وجلسات حوارية وبعض الأوساط والصالونات للضغط على رؤساء الوزراء السابقين، على أمل المساهمة في تقديم مشورة أو رأي أو تقييم يخفف من حدة الواقع الموضوعي.

أسئلة… و«ظاهرة ديناصورات»

لكن من يدلي برأيه هنا من جنرالات السياسة السابقين الذين لا شأن لهم في عمليات وآليات اتخاذ القرار اليوم، يقع بين فكي الكماشة؛ في الطرف الأول من تلك الكماشة شارع وأراء شعبوية لا ترحم، وفي الطرف الثاني نخب رسمية ترتاب بالرأي المستقل أو المهني أو بالتقييم والتشخيص، لا بل توجه اتهامات لسياسيين عقلاء يفترض أن لا يتحدثوا في المنابر العامة إلا بالقليل ما دامت الفراغات تملأ عبر وجودهم في منابر القرار وصناعته.
تلك طبعاً مفارقة لا أحد يحفر بصورة نشطة في أعماقها، فرئيس الوزراء السابق في طبيعة الحال، مسؤول أمام الناس ويسأله الكثيرون على فرضية علمه بالأمور أكثر من غيره. وسبق أن قيل في مواقع رسمية بأن السياسيين من الحرس القديم أو قدامى السياسيين، أقرب لظاهرة الديناصورات. وسبق أن طرحت، مرجعياً، أسئلة علنية عن أسباب عدم مشاركة كبار السياسيين السابقين في السردية الوطنية والرد على تساؤلات الناس والدفاع عن خيارات النظام والدولة.
لكن هؤلاء، وفي الوقت الذي تتهمهم فيه المؤسسة أحياناً بالتعبير فقط عن القلق وإنتاجه في المجتمع ومؤسساته، لا يجدون طريقة للإفصاح عن مكنوناتهم التي تقول بأنه لا أحد يسألهم في دوائر صنع القرار، وبالتالي لا أحد يقدم لهم معلومات مفيدة، ولا أحد يشاورهم أو يستمع إليهم. لعل سياسياً مخضرماً مثل المصري، التقط هذه المفارقة وهو يرد على عاصفة التساؤلات بسؤال صغير استفهامي ومختصر: نتحدث بماذا.. مع من هذه الأيام؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading