اراء و مقالات

سؤالان «محرجان» لحكومة الأردن بعد شنكر وقبل بيرنز: هل الدولارات مقبلة حقاً… وكيف «نصلح أنفسنا»؟

إنفاق «المساعدات» وهرم النخب «الأقل ذكاء»

استمع مساعد وزير الخارجية الأمريكية الذي سيغادر موقعه رسمياً يوم 19 من الشهر الجاري، ديفيد شنكر، إلى عدد محدود جداً من الأشخاص على هامش نحو أربعة لقاءات مغلقة وسريعة أجراها في عمان مودعاً قبل المغادرة إلى الجزائر ثم الصحراء المغربية.
أحد الآراء المثيرة التي استمع لها شنكر بحضور السفير الأمريكي الجديد، هنري وويستر، تمثل بتلك الملاحظة لشخصية أردنية عن الكيفية التي تنفق فيها حزمة المساعدات الأمريكية.
السفير الأمريكي كان يحاول تذكير الضيف الأردني بأن بلاده تدفع رواتب القطاع العام للأردنيين بالحزمة التي تصل إلى مليار و700 مليون دولار، وفوجئ السفير وكوشنر بعبارة شاردة وغامضة لضيفهما الأردني تتحدث عن موظفي القطاع العام باعتبارهم لا يمثلون كل شرائح المجتمع الأردني. تلك قد تكون ليست أكثر من ملاحظة غير منصفة، من المرجح أن الدوائر الأمريكية تعلم بها جيداً، وإن كان المدير الجديد المرشح للاستخبارات الأمريكية وهو السفير وليم بيرنز، أحد أبرز أقطاب الحزب الديمقراطي الداعين دوماً إلى زيادة مستوى ومنسوب وحجم المساعدات الأمريكية للأردن وتحت عنوان «الأردن بلد مهم جداً.. ولا ينبغي أن يترك وحيداً».
هنا قد تصدق توقعات السياسي البارز طاهر المصري وغيره، عبر التذكير بأن الأمريكيين لا يقدمون المال لحلفائهم مجاناً، وبأن كل من يعمل في الشأن السياسي يعلم مسبقاً أن منسوب المساعدات الخليجية تحديداً للأردن يزيد وينقص في ضوء أخضر أمريكي.
قرأ سياسيون في عمان مؤخراً مقالاً في منبر إعلامي أمريكي مهم تضمن تعبيرات مباشرة تدعو للضغط على دول الخليج لإعادة ضخ المساعدات إلى الأردن بسبب طبيعة التحديات التي تواجهه اقتصادياً.
وهي تحديات لم ينفها وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس، عندما ناقشته «القدس العربي» بالحيثيات وبعض القواعد التي تقدم بموجبها بمشروع الميزانية المالية للبرلمان قبل أسابيع قليلة، في الوقت الذي سيتم فيه قريباً تدشين إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية جديدة متطورة في الأردن الحليف.
ما سمعه شنكر على هامش وقفته السريعة في عمان قد يكون مهماً وقد لا يكون، لكن ما يسمعه الأردنيون ويعلمون به من اهتمام وليم بيرنز، أو «بيل» كما يصفه أصدقاؤه في عمان، شخصياً، بتعزيز وتمكين وتصليب الجبهة الاقتصادية الأردنية.. مهم للغاية ويمكن الرهان عليه.
فبحكم خريطة الإدارة الأمريكية الجديدة والوقائع الملموسة في الانحيازات، يقترح الناشط السياسي الأمريكي الفلسطيني المؤثر الدكتور سنان شقديح، بأن الفرصة مواتية وأفضل للأشقاء الأردنيين من أي وضع مضى، وبأن «الدولارات مقبلة» لكن على النخبة الأردنية أن تجيد التفاوض والاستثمار في المكانة الرفيعة التي يتمتع بها الأردن اليوم وقيادته في عمق المعادلة الأمريكية الجديدة.

إنفاق «المساعدات» وهرم النخب «الأقل ذكاء»

هل ستوجد نخبة أردنية قادرة على التفاوض وتحقيق مكاسب بناء على الآفاق التي يفتحها الملك عبد الله الثاني في عمق جبهة الديمقراطيين الأمريكيين؟ هذا سؤال محرج لا ترغب المؤسسات الأردنية بالغرق بحثاً عن إجابة عنه، لكنها قد تضطر لأن تفعل قريباً؛ لأن الأدوات التي تدير الأمور لا يبدو أنها منتجة أو قادرة على الاستثمار فيما توفره المبادرات الملكية، مما قد يتطلب التجديد والاستعانة بطاقم مختلف.
لا يستطيع الأمريكيون طبعاً التحدث بـ «المحليات» الأردنية، لكن اهتمام شنكر بالمرور والعبور قبل الوداع هو محطة مهمة ينبغي أن تقرأ أردنياً جيداً.
وتعيين وليم بيرنز، الصديق الوفي لعمان، مديراً للاستخبارات الأمريكية، يؤسس لإمكانية تحرك في الاستثمار النخبوي يشكك نشطاء ومحللون أردنيون بإمكانية نجاحها، وإن كان الأهم دوماً وأبداً تتبع تلك الإشارات، كما يقترح شقديح والمصري وغيرهما، في إطار ليس الحرص الأمريكي على إدامة الدعم والتحالف والصداقة وتغيير المعادلة التي كانت مرهقة جداً للبلاد مع الرئيس السابق دونالد ترامب، ولكن –وهذا الأهم– في إطار التدقيق في تلك الانطباعات والتقييمات، سواء تلك التي همس بها شنكر قبل مغادرة عمان في زيارة وداعية، أو تلك التي تضمنت إشارات يعرفها خبراء العاصمة الأردنية في تقييمات بيرنز نفسه، وتحديداً حول سؤالين يمكن تصنيفهما في غاية الأهمية الآن.
السؤال الأول: كيف تنفق الحكومة الأردنية المساعدات الأمريكية، وعلى أي أساس، وهل تتطلب الحاجة التدخل في مراقبة أو إدارة هذا الإنفاق بعد الآن؟
السؤال الثاني له علاقة بالسياق الأساسي الذي يهتم به في العادة وليم بيرنز، وهو: ماذا عن الإصلاح السياسي والإنصاف الاجتماعي وحريات التعبير؟ والأهم: ماذا عن الأشخاص الذين يديرون الأمور والمفاصل، استشارياً وتنفيذياً، بين الحين والآخر بالتوازي مع الاحتفاظ بمميزاتهم المترافقة مع ندرة الكفاءة «وقلة الخبرة» وفي بعض الأحيان.. مستوى الذكاء المنخفض؟
أي صداقة مع بيرنز أو شنكر، أو حتى جو بايدن نفسه، مهمة وأساسية.
ويحتاج الأردن شخصيات ماهرة وكفوءة تحقق مكاسب نتيجة تلك الصداقة التي صنعتها سابقاً سمعة الدولة والأداء الأمني، وقبل ذلك حراكات ومبادرات ومواقف القيادة المرجعية. لكن شبكة ومنظومة الصداقة تلك قد لا تعفي حكومة الأردن في وقت قريب جداً من المسؤولية الوطنية والمهنية في الحرص على التعامل مع إجابة مقنعة للذات قبل الأمريكيين على سؤالين باتا محرجين الآن وبشدة. وحده صديق بيرنز الأهم، وسط نخبة عمان الدكتور مروان المعشر، كان يصر ومنذ سنوات، وأعاد التذكير في آخر لقاء جمعه مع «القدس العربي» بأن إصلاح الشؤون وطنياً هو الوصفة الأفضل تجنباً لتدخل الآخرين حتى لو كانوا حلفاء وأصدقاء من الولايات المتحدة أو غيرها، خاتماً: «علينا أن نصلح أنفسنا».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى