اراء و مقالات

الأردن في صدد «دفن» قانون «الصوت الواحد» ومشكلات بالجملة تعيق التقدم نحو «قانون انتخاب» جديد

عمان – «القدس العربي»: يمسك رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز، بزمام المبادرة عندما يبدأ ويرعى أول حوار تحت عنوان الإصلاح السياسي وقانون انتخاب جديد.
لم يُعرف بعد ما إذا كانت مبادرة مجلس الأعيان بالتحرك قبل غيره في مجلسي الوزراء والنواب باتجاه الحوار منسقة أو منظمة ومرتبة مع بقية المؤسسات، لكن مجدداً يتحدث فيصل الفايز عن قانون انتخاب جديد يتوافق مع الثقافة الأردنية.
لا يوجد تعريف جماعي متفق عليه لعبارة «الثقافة الأردنية». وبالتالي، لا أحد يستطيع توقع صيغة قانون انتخاب جديد يتوافق مع الثقافة الأردنية هنا.
لكن الفايز ولأسباب متنوعة، يحاول إجراء حالة مسح حوارية استباقية، فالانطباع قوي وسط السياسيين الأردنيين بأن الدخان الأبيض صعد وبتسارع ملحوظ لإسقاط قانون انتخابات الصوت الواحد. وحراك الفايز تحديداً يؤشر إلى علمه المسبق في هذا السياق، وإن كان الحديث عن قانون انتخاب جديد يتوافق مع الثقافة الأردنية دون تعريفات محددة وتوافقية من شأنه أن يقود إلى وضع قيود مسبقة على نصوص قانون مقترح أو حتى أسقف للحوار الفني هنا، فالخلاف على قانون للانتخاب قديم وكلاسيكي ومتجدد.
والانطباع سياسياً واضح اليوم بأن تسريع العمل نحو قانون انتخاب جديد قد يقلص من فرصة بقاء مجلس النواب الحالي أو يقصف عمره الدستوري بعد انتخابات مهندسة أثارت الكثير من الجدل، الأمر الذي يعتبره برلمانيون متعددون تحدثت معهم «القدس العربي» ومن بينهم النائب خلدون حينا، مجرد فرضية وتكهن.
النائب حينا اعتبر الحديث عن عدم إكمال المجلس النيابي الحالي لدوراته الدستورية صيغة من التنجيم السياسي، واتفق مع ما سبق أن قاله رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات لـ«القدس العربي» أيضاً بخصوص مخاطر وعدم واقعية النظرية التي تفترض بأن مراجعة تشريعات الإصلاح السياسي مسألة تنجز على حساب العمر الحالي لمجلس النواب.
كلاهما، العودات وحينا، يعتقدان بأن المجلس الحالي سيكمل دورته، لكن على جبهة موازية وقبل تدشين رئيس مجلس الأعيان نسخة من الحوار المفترض تفهم «القدس العربي» بالتوازي من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بأن وجود قانون انتخاب عصري وتوافقي بعد حوار وطني مسألة باتت من الأولويات ضمن مسارات مراجعة التشريعات – إصلاحياً – الثلاثة: الاقتصاد والسياسة والإدارة.
ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟
الإجابة على مثل هذا السؤال مرهونة برصد محطات أساسية في تفكير الاتجاه الإصلاحي الجديد في الحالة الأردنية، فالاعتقاد اليوم قوي في اتجاهين:
الأول، التسريع الملموس وبتوجيهات عليا بمغادرة حالة قانون الصوت الواحد؛ بمعنى إسقاطه الآن وإخراجه من المعادلة، والتقدم نحو قانون جديد تحت لافتة حوارات من طراز ما قد لا تكون دسمة وعميقة.
والاتجاه الثاني يضع سقفاً زمنياً لعملية التسريع بالمشاورات التشريعية هنا وعلى أساس أن المطلوب وقبل الأول من شهر آب المقبل هو إغلاق ورشة العصف الذهني وإنجاز قانون انتخاب جديد متطور.
تلك باتت مسلمات حتى الآن بالنسبة لمؤسسات القرار الأردنية، وذلك ينتج عن الرغبة الجامحة اليوم في وضع الأسس لوصفة تنمية سياسية محلية وطنية تجنباً لتلك الوصفة التي يمكن أن تفرض على البلاد، خصوصاً من قبل الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين الذين بالغت مؤسساتهم الإعلامية وغير الإعلامية مؤخراً في إلقاء الضوء على ملف الحريات والديمقراطية في الأردن.
محاولات التنميط هنا ووضع قيود مسبقة على قانون انتخاب جديد قد تخفق خصوصاً إذا ما تضمنت شروطاً من طراز التوافق مع الثقافة الأردنية، أو إذا لم تتضمن منظومة فيها قدر كبير من الالتزام الحاسم بنزاهة الانتخابات بعدما كانت انتخابات 2020 سيئة جداً وللغاية في إنتاج انقسامات وشروخات في الداخل، وفي الإساءة لسمعة البلاد في الخارج.
يحتاج المشهد الأردني إلى جرعة قوية من الإصلاح السياسي براغماتياً، اصبحت مهمة للغاية الآن ليس فقط لاحتواء الهجمة الخارجية التي تتحدث عن أوضاع الحريات في الأردن، ولكن أيضاً لبناء حالة جديدة أكثر عمقاً تعيد الآن دوره على طاولة الإقليم والمجتمع الدولي بعد المخاطر التي نتجت عن أحداث الثالث من نيسان، بعنوان الفتنة ومخطط لزعزعة الأمن والاستقرار.
بدأ بعض صناع القرار يدركون ذلك. لكن مثل هذا الإدراك تلتقطه أيضاً مجسات خبيرة في المعارضة الوطنية الشرعية، حيث تركيز من جبهة العمل الإسلامي تحديداً ليس على حوار سياسي إصلاحي شامل وعميق فقط، ولكن على توفير ضمانات في الالتزام بمقتضيات ومتطلبات هذا الحوار لاحقاً.
بمعنى آخر، وضع إملاءات مسبقة من قبل السلطات على وصفة قانون الانتخاب الجديد لن يكون الآن مهمة سهلة، فأي صيغة يمكن التوصل إليها بعد سقوط قانون الصوت الواحد عليها أن تعبر من شرعيتين، الأولى داخلية؛ بمعنى ضمانات الالتزام والنزاهة، والثانية خارجية؛ بمعنى العودة إلى إملاءات الإصلاح أيضاً ولكن على الدولة هذه المرة.
وسط هذه وتلك يمكن ملاحظة ميكانيزمات الحوار الرسمي والحكومي وهي تتراوح ما بين الشك والريبة وغياب اليقين.
ويمكن ملاحظة أن المشكلة الأبرز اليوم أمام صيغة متطورة لقانون الانتخاب قد تكون العبور به من المجلس النيابي الحالي الذي تحكمه نخبة عريضة من الوجوه الجديدة غير المنضبطة.
لكن ثمة مشكلة أعقد مزدوجة في حال التمكن من الوصول إلى معالجة ما بعد سقوط قانون الصوت الواحد من المعادلة.
فالمطلوب ضمانات نزاهة غير لفظية وغياب كل أنماط الهندسة في الغرف المغلقة ،والمطلوب أيضاً إذا ما توفرت النزاهة أصلاً الاشتباك مع المهمة الأصعب لاحقاً، وهي المهمة الأكثر تعقيداً، وعنوانها إقناع الأردنيين -بصرف النظر عن ثقافتهم ومكوناتهم وخلفياتهم- بالذهاب إلى صناديق الاقتراع.
ثمة عملية تسريع ملموسة الآن باتجاه مشروع لدفن قانون الصوت الواحد، ثم التوصل إلى قانون بصوتين أو ثلاثة، وبالتوازي مشروع لإنجاز تعديلات دستورية.
يحصل ذلك فيما الداخل محتقن لأسباب يعلمها الجميع، ويعاني من كل أصناف الاحتقانات، ويحصل فيما وضعت سرديةُ الفتنة الأردنَّ برمته على طاولة الأضواء، خصوصاً عند أصدقاء في أوروبا والولايات المتحدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى