اراء و مقالات

الأردن «يتفحص» ما يحصل مع بن سلمان والسيسي ونتنياهو: «مسطرة بايدن» وخطوة «تنظيم»

غرق ملموس في كل التفاصيل، وأكوام من التساؤلات الحائرة، بعضها سياسي ووطني، وبعضها الآخر اجتماعي وبنيوي وفني وتقني. برز كل ذلك أيضاً بالتوازي على سطح حدث المشهد الأردني الداخلي إثر الرسالة المهمة التي وجهها الملك عبد الله الثاني علناً إلى مدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني. لأول مرة تنشر مقالات تناقش تفصيلات لها علاقة بتلك الدائرة العميقة، التي تمكنت طوال عقود من الحصة الأكبر في إدارة التفاصيل.
لأول مرة يصبح ملف المنظومة الأمنية أصلاً قيد النقاش العلني مع ملاحظة أن بعض النقاشات يديرها إما وزراء أو سياسيون محسوبون دوماً على السلطة أحياناً، أو تنشر في مواقع صحافية أو إعلامية قريبة جداً من السلطة أيضاً.
كأن المطلوب عملياً هو أن تصبح بعض مقدسات الماضي قابلة للنقاش، هذه المرة، وسط العامة وليس خلف الكواليس والستارة، وكأن المطلوب أن تسقط بعض اعتبارات الخطوط الحمراء أو التي كانت بالعادة حمراء.
يصر خبراء ومختصون على أن هذا النقاش، ولأول مرة، قد يكون صحياً؛ فعندما يتعلق الأمر بالإصلاح السياسي وتداعياته وأهدافه المتعلقة بتحالفات ومصالح الدولة العليا يكون التعافي نفسه هدفاً، والتنازلات قد تكون مفرطة، لكن المبادرة الملكية المرجعية الثانية بعنوان الإصرار على مراجعة الهيكلية الأمنية وما كان يحصل هو خطوة في اتجاه التشخيص الذاتي الوطني الجريء على الأرجح.
وهو تشخيص سمعت «القدس العربي» مرات متعددة وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر يحفزه حتى لا يندفع الآخرون خارج المملكة لـ «تشخيص قضايانا» ووضع معالجات وحلول تخص مشكلاتنا.
لذلك، هزت -عملياً- رسالة الملك المثيرة والشهيرة لمدير المخابرات كل أنماط العادات والتقاليد المتوارثة، وفاجأت لا بل صدمت الكثير من المشككين بالفعالية والنتائج داخل حلقات البيروقراط المتكلس، ودفعت النقاش -وهو همس حتى الآن، في التفاصيل الأعمق على الأقل- في اتجاهات غير مسبوقة تحاول بعضها شراء الوقت لا بل تنميط وتقييد خطوة كبيرة من وزن المراجعة الأمنية عبر العودة للحديث عن خطوات لا يمكن التنازل عنها أو التفريط بها إذا كان الحديث عن الإصلاح الجذري جدياً هذه المرة.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لأردنيين يقلقون الآن في كل الاتجاهات بما في ذلك «الاقتصاد والمال والاستثمار والوباء» وحتى لعبة الانتخابات وكلاسيكيات القشرة الديمقراطية، وقلقون أيضاً داخل الدولة وأروقة القرار عندما يتعلق الأمر بسلسلة من التقارير المنشورة وغير المنشورة، التي تتحدث سلباً عن ملف الحريات العامة وتراجعها الشديد في الأردن، بالتوازي مع ولادة إدارة أمريكية جديدة قالت مرتين علناً لحلفائها في منطقة الشرق الأوسط بأن ملف الحريات العامة هو الأسـاس بعـد الآن في التقـييم الدبلوماسـي؟
هنا يلاحظ علية القوم من خبراء تمكنت «القدس العربي» من التواصل معهم، بأن مسطرة المراجعة التي يعلنها طاقم الرئيس الأمريكي جو بايدن بالنسبة لدول المنطقة، حازمة وعنيفة ومتشددة، ومن الصعب الادعاء أردنياً بعدم القدرة على رؤية عاصفة حريات في الطريق تتطلب الانحناء لها، مما يبرر جرعات المكاشفة والرسائل الملكية المرجعية التي بدأت تؤطر لتحول كبير ودراماتيكي في نقد الذات أولاً، وتشخيص المشكلات ثانياً، وفي الجرأة على إظهار الرغبة في الإصلاح والتغيير، ثالثاً.
هنا تحديداً، تدرس غرفة القرار أو الاستشعار الأردني معطيات أساسية من الصعب تجاهلها؛ فوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يلمح في محادثته الأولى مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، بأنه مهتم لاحقاً بالتحدث عميقاً مع الأردنيين في ملف الحريات العامة.
المجسات نفسها تلتقط إشارة من بلينكن نفسه، قيلت على هامش لقاء مغلق مع نخبة فلسطينيين أمريكيين بعنوان «إذا رفضت إسرائيل التعامل مع مشروع حل الدولتين ستكون مضطرة للتحدث عن ملف حقوق «المواطنة» حتى لا تتهم بأنها دولة فصل عنصري». تلك عبارة تعني الكثير في قراءة البوصلة أردنياً.
لكن ما يوازيها في الأهمية، وقد يفوقها، الرسالة الخشنة التي وجهت لولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما يعلن بأنه سيتحدث مع الملك سلمان فقط في السعودية، وبصيغة قد تعني -بعد الإصرار على نشر ملفات خاشقجي- بأن أشهرعسل بن سلمان ومنظومته على الأقل، كما هي الآن، قد تكون معدودة؛ مما ينعكس لاحقاً على التحالف مع أبو ظبي، والتغيير الدراماتيكي في اليمن، والتصعيد في لغة الحريات والمعتقلين مع مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كيف قرأت الغرفة الأردنية ذلك؟
الإجابة بسيطة، فمن يوجه هذه الرسائل القاسية لليمين الإسرائيلي ونظيره السعودي والإماراتي يؤسس لعاصفة تتطلب في التكتيك «انحناءة» أردنية، المجال الحيوي الوحيد واليتيم فيها اليوم تغيير اللهجة واللغة والمفردات عندما يتعلق الأمر بملف الحريات والانفتاح والإصلاح السياسي، الأمر الذي تطلب بالنتيجة وقبل أي اعتبار آخر «خطوة تنظيم» إلى الوراء وبصرامة عسكرية تجيدها المؤسسة الأردنية، وتحديداً في مجال تلك العلاقة الملتبسة بين الأمن والسياسة.
هذا ما يحصل الآن في المشـهد الأردني على الأرجح، حيث بدأت إعادة هيكلة المنـظومة الأمنيـة، وخطـف إطارهـا الذي سيتسارع مبكراً 5 جنرالات على الأقل مع دفـعة أكـبر من المعاونـين لهم عبر بند الإحالة على التقاعد.. أما البقية فيفـترض أن تأتي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى