اراء و مقالات

«ترانسفير ناعم»… سيناريو «مطار رامون» الإسرائيلي: «خنجر» جديد في خاصرة الأردن و«ما خفي أعظم»

عمان- «القدس العربي» : مطار «رامون» الإسرائيلي مجدداً في خاصرة المصالح الأردنية. هذا حصراً ما يفهمه ساسة قلقون في عمان من تلك الترتيبات الغامضة، التي تدفع في اتجاه توفير آليات أسهل لسفر الفلسطينيين من مطار إسرائيلي ثمة خلاف مع الأردن أصلاً بخصوصه، كبديل عن المعابر والجسور.
الشيطان هنا سياسياً في التفاصيل، وأنباء الصحافة الإسرائيلية عن قرار يسمح بسفر الفلسطيني من مطار رامون لأول مرة عبر بصيغة مرور الكرام على الحكومة، التي لم تعلق على الأحداث، لكن حجم الارتياب شديد أردنياً بالبروتوكول الذي أعلنه المنسق العام للإدارة الحكومية في جيش ما يسمى إسرائيل.

معطيات مختلفة

الفكرة باختصار وتحت عنوان مساعدة الأردن لوجستياً في تخفيف ازدحام المعابر والجسور، صدور موافقة إسرائيلية لاستعمال مطار رامون في إيلات بالقرب من كتف مدينة العقبة؛ لأغراض السفر إلى تركيا، وهي الوجهة الأهم بالنسبة لمن يستطيع السفر من أبناء الضفة الغربية، حيث مطار إسطنبول العملاق الذي يسمح بالنتيجة بسفر الفلسطيني إلى أي مكان بالعالم.
كان الأردن طوال الأسابيع الماضية تحت انطباع يقضي بأن السلطة الفلسطينية رفضت وبحزم خيار مطار رامون، لكن بعض المصادر الأردنية تعتقد أن معطيات السلطة تغيرت هنا لأسباب غامضة، لا بل مريبة في قياسات سياسي وخبير برلماني ووزير سابق مثل الدكتور محمد الحلايقة، الذي يصر وأمام «القدس العربي» على أن السيناريو الإسرائيلي في سفر أبناء الضفة الغربية مريب وينبغي أن يخضع للتمحيص. والسلطة الفلسطينية كانت قد أبلغت عمان أنها ترفض سيناريو رامون.
لكن الجيش الإسرائيلي أعلن عن تسيير رحلتين أسبوعياً إلى تركيا، فيما كانت مكاتب السياحة الفلسطينية في رام الله تعلن -كما رصدت السفارة الأردنية منذ 3 أسابيع- عن قرب تمكين أبناء الضفة الغربية من السفر عبر رحلات منظمة في رامون.
مطار رامون نفسه كان عنصراً للتجاذب والصدام أصلاً مع سلطة الطيران المدني الأردنية أيام حكومة بنيامين نتنياهو؛ فقد اشتكت السلطة الأردنية دولياً على الإسرائيليين لأن طائرات الخطوط الإسرائيلية تتجاوز أثناء التحليق والهبوط منطقة الحدود السيادية بين المطارين وبدون أن تدفع كلفة ذلك للجانب الأردني، لا بل وبصيغة فهمت من خلالها «القدس العربي» وعبر مديري سلطة الطيران المدني أنها تعرض سلامة الطيران في مطار الحسين في العقبة لمخاطر خلافاً لبروتوكولات الطيران الدولية.
سجلت شكوى أردنية رسمية في الماضي القريب ضد عمليات مطار رامون على كتف مطار العقبة، وتجاهل الإسرائيليون الأمر إلى أن عاد مطار رامون المثير للجدل عبر السيناريو الجديد القاضي بنقل الركاب عبره من الفلسطينيين إلى تركيا، ليشكل خنجراً جديداً ولأغراض سياسية قد تكون خبيثة، برأي الحلايقة وغيره، في خاصرة المصالح الأردنية.
ثمة رشوة قدمت قبل الإعلان الإسرائيلي المثير، وهي على شكل السماح لنحو ألفي عامل أردني بالتوجه إلى إيلات يومياً لأغراض العمل والوعد للسماح لأكثر منهم مستقبلاً.
لكن ذلك الإجراء لا يعفي اليوم من الحقائق والوقائع، فتبديل وجهة ونقطة سفر أبناء الضفة الغربية عبر مطار إسرائيلي بدلاً من عمان، هو خطوة خطرة للغاية وقد تعني الكثير سياسياً، حتى وإن تجاهلتها الحكومة الأردنية الآن ولعدة أسباب موضوعية، أهمها استخدام الازدحام على الجسور والمعابر كذريعة لترتيب سيناريو رامون الجديد.
السياسي الأردني الخبير طاهر المصري، في نقاش بحضور «القدس العربي»، عبر عن ارتيابه الشديد من أي خطوة إسرائيلية تدعي فجأة أن هدفها تيسير تنقل الفلسطينيين والتسهيل عليهم.
العدو لا يفعل ذلك مجاناً، برأي المصري، والفرصة كانت ولاتزال مواتية لإعادة قراءة المخاطر والتذكير بمنهجية الهجرة الاقتصادية وتفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها «سيناريو ترانسفير ناعم» ضمن مسلسل تصفية القضية الفلسطينية ولو ببطء شديد وعلى مدار سنوات طويلة.
طالب المصري مراراً وتكراراً بالحفر عميقاً ضد أي إجراء أو برتوكول إسرائيلي في السياق. لكن الخسائر الأردنية لا تقف عند حدود سياسية أو سيادية فقط، فالهدف الأبعد للإسرائيليين قد يكون توفير تسهيلات للبديل عن الجسور والمعابر، خصوصاً أن تركيا عنصر جذب كبير لأبناء الضفة الغربية وعائلاتهم، فيما الإجراء المتعلق بمطار رامون يعني فيزيائياً خسائر اقتصادية ومالية للأردن، ليس على صعيد شركات الطيران ومكاتب السياحة ورسوم المطارات فقط، لكن أيضاً على صعيد النفقات السخية التي يدفعها أي فلسطيني عند عبوره إلى عمان أو عبرها، سواء في الإقامة أو في المطاعم والمنــشآت، أو في تحــريك دورة المال ولو قليــلاً.

المخفي والمسكوت عنه

بهذا المعنى، سيناريو رامون الإسرائيلي مقلق للغاية ومريب خلافاً لأنه لا يضع حدوداً من أي صنف أمام حزمة المصالح الجوهرية والعميقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، التي تتوفر للأردن بسبب الاعتماد على الجسور والمعابر في الأغوار كنقاط عبور وحيدة ويتيمة.
طبعاً، الإجراء مريب جداً، لكن الصمت البيروقراطي عليه أيضاً في عمان غير مفهوم، خصوصاً أن وساطة مغربية وأخرى أمريكية دخلتا على خط أردني بالعادة الشهر الماضي، تحت ذريعة تخفيف الازدحام على جسور ومعابر الأغوار.
وبهذا المعنى أيضاً يمكن القول بأن إجراء مطار رامون الجديد أخطر سياسياً ووطنياً بكثير مما يبدو؛ لأن السلطة الفلسطينية من الممكن أن تكون تورطت بالصمت، فيما وجع جديد في خاصرة المصالح الأردنية، والغريب جداً عدم الاعتراض عليه بعد. المخفي والمسكوت عنه في الإجراء الإسرائيلي أخطر وأعظم بكثير من المعلن والسطحي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى